أعربت أميركا عن قلقها من التدخل الروسي على أمن الطاقة العالمي وانسيابه إلى الأسواق الدولية. وأطلع وزير الطاقة الأميركي، أيرنست مونيز، الكونغرس الأميركي، أن التدخل العسكري الروسي في سورية يمثل تهديداً لاستقرار وأمن الطاقة العالمي.
وقال مونيز، في إفاداته أمام لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس الشيوخ، التي اطلعت “العربي الجديد”، على نصها، أن التدخل الروسي في سورية يهدد برفع أسعار الطاقة واضطراب إمدادات النفط.
وأضاف مونيز، في الإفادات التي أدلى بها، الأسبوع الماضي، “أن التدخل الروسي يضيف عاملاً جديداً لعدم الاستقرار الجيوسياسي في منطقة مضطربة أصلاً”.
ودعا وزير الطاقة الأميركي إلى ضرورة الحفاظ على الاحتياطي الاستراتيجي النفطي جاهزاً وفي حالة جيدة، بسبب تنامي التهديد الروسي المتزايد لأمن الطاقة في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز الطبيعي.
وأشار في إفاداته إلى أنه رغم أن أميركا تمكنت في الآونة الأخيرة من زيادة حجم إنتاجها النفطي لتصبح أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، إلا أن أمن الطاقة العالمي لا يقتصر فقط على أميركا وإنما يمتد لحلفائها وأصدقائها في أوروبا وآسيا.
وكانت لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ استدعت الوزير لاستجوابه حول الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الأميركي، الذي تستخدمه أميركا لتغطية احتياجاتها في الظروف الطارئة، مثل الحروب وأزمات الطاقة.
واستجوبت اللجنة الوزير حول جاهزية الاستراتيجي ووضع أميركا النفطي في حال حدوث أي أزمة في الإمدادات النفطية العالمية.
والاحتياطي النفطي الاستراتيجي هو عبارة عن كميات كبيرة من مخزونات النفط تكفي احتياجات البلاد المستهلكة للنفط ومشتقاته لفترة من 30 إلى 90 يوماً في حالة تعرض الإمدادات لانقطاع لسبب من الأسباب.
وتعتبر الحروب والأزمات والكوارث السبب الرئيسي وراء تأسيس هذا الاحتياطي في الدول المستهلكة الكبرى للنفط، خاصة لأزمات التي تعرضت لها أسواق النفط العالمية بسبب الحروب في المنطقة العربية التي تمد العالم بحوالي 45% من احتياجاته النفطية.
وتملك الولايات المتحدة الأميركية مخزوناً من النفط الخام، أو ما يطلق عليه اسم “الاحتياطي الاستراتيجي”، يقدر بحوالي 696 مليون برميل في خزانات أرضية ضخمة، يكفي حاجتها الاستهلاكية لمدة 94 يوماً.
لكن سعة التخزين الأميركية الكاملة في هذه الخزانات تقدر بحوالي 727 مليون برميل، وتكفي إستهلاك الولايات المتحدة من الخام ومشتقاته لحوالي 118 يومياً.
وكانت الولايات المتحدة ومنذ اكتشاف النفط الصخري وتقنيات الحفر الأفقي قد رفعت إنتاجها النفطي إلى أكثر من 9.4 ملايين برميل يومياً. ولكن لاتزال الولايات المتحدة من أكبر مستوردي النفط العالم وتليها الصين. ولكن رغم هذا الإنتاج الضخم لاتزال السعودية، هي الدولة الوحيدة التي تحدث الإتزان والاستقرار في أسواق النفط العالمية.
وتعد السعودية من الدول الرئيسية في إحداث الاتزان المطلوب في سوق الطاقة العالمي، بما تملكه من احتياطات تقدر بأكثر 260 مليار برميل وطاقة إنتاجية تقدر بحوالي 10 ملايين برميل يومياً، يضاف إليها طاقة فائضة تتراوح بين 2.4 و3 ملايين برميل يومياً يمكن ضخها في السوق النفطي في حال حدوث ضائقة إمدادات نفطية.
اقرأ أيضاً: بوادر تفاهم سعودي روسي لرفع أسعار النفط
وهذه الطاقة الفائضة هي التي منحت السعودية لقب “المنتج المرن”، أي الذي يستطيع رفع وخفض الإنتاج في مدة قصيرة، وهو ما يساعد أسواق العالمية في فك ضائقات الطاقة في لحظات الحروب وإنقطاع الإمدادات.
وهذه الميزة لا تتوفر بالنسبة لروسيا، رغم غناها بالنفط وارتفاع معدل إنتاجها، وذلك لوجود معظم حقولها في مناطق جليدية، وبالتالي لا تستطيع فتح وإغلاق الآبار في مدة قصيرة.
وحسب إفادات وزير الطاقة الأميركي للجنة الكونغرس، فإن السعودية تستطيع إطلاق الطاقة الفائضة في الأسواق خلال 90 يوماً.
ويتم تخزين النفط الخام الاستراتيجي الأميركي في كهوف ملحية تقع تحت مجمع حكومي في ولاية تكساس وقبالة ساحل خليج لويزيانا، وتعد تشكيلات الملح إحدى أفضل الطرق للاحتفاظ بالنفط الخام بشكل يحافظ على البيئة.
وحسب إفادات الوزير مونيز، فإنه يمكن للنفط الخام من الاحتياطي الاستراتيجي أن يبلغ الأسواق بعد 13 يوما من موافقة الرئيس الأميركي على استخدامه.
وينص القانون الأميركي على استخدام الاحتياطي الاستراتيجي في ثلاث حالات فقط وهي: حدوث أزمة في الإمدادات تسبب ضائقة حرجة أو تبديله عبر بيع نفط مخزن وشراء نفط بديل، ويجب في هذه الحالة ألا تتعدى الكمية التي يتم إستبدالها خمسة ملايين برميل أو في حالات الحروب.
وحتى الآن لم يحرك التخل الروسي أسعار النفط صعوداً، إلا بنسبة ضئيلة. ولكن هنالك مخاطر من أخطاء عسكرية ربما تقود إلى تعطيل الامدادات. والسبب فيما يبدو في عدم إرتفاع الاسعار بنسبة كبيرة يعود إلى تواصل وجود فائض كبير في المعروض النفطي يفوق الطلب العالمي بـ3 ملايين برميل يومياً تقريباً.
ولكن احتمالات تطور التدخل الروسي في سورية واحتمالات الأخطاء العسكرية وسط عدم التنسيق وتشابك المصالح يزرع الرعب في الأسواق النفطية.
وتظهر بيانات لقطاع النفط جمعتها رويترز ومؤسسات نفطية أخرى، تشير إلى أن كبار مصدري النفط في العالم ضخوا أكثر من نصف مليار برميل فوق المطلوب في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي.
وتفيد تقديرات لرويترز أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ضخت في المتوسط 31.20 مليون برميل من النفط يوميا بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول، أي ما يزيد أكثر من مليوني برميل يوميا فوق حجم الطلب على إمدادات المنظمة.
ويزيد إجمالي ذلك على 550 مليون برميل من الخام، جميعها بحاجة إلى التخزين في مكان ما. وتنامت مخزونات النفط في أنحاء العالم هذا العام، لتبلغ مخزونات الوقود التجارية في الاقتصادات الصناعية المتقدمة مستوى قياسياً مرتفعاً عند 2.94 مليار برميل في أغسطس/آب، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
وتظهر بيانات من وكالة الطاقة ومنظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” والحكومة الأميركية، أن تخمة المعروض العالمي من النفط الخام الذي تنتجه “أوبك” بلغت 2.64 مليون برميل يوميا في الربع الثاني من العام.
وتراجع الفائض إلى حوالى 1.69 مليون برميل يوميا في الربع الثالث، لكن لا يبدو أنه سيتلاشى. وتشير تقديرات مؤسسات التوقعات الكبيرة بسوق النفط إلى زيادة المخزونات في 2016.
وقد تتفاقم تخمة المعروض في حالة رفع العقوبات المفروضة على إيران في العام القادم، كما يتوقع دبلوماسيون كثيرون.
وقالت وكالة الطاقة الدولية التي مقرها باريس “تباطؤ نمو الطلب المتوقع في العام المقبل والإمدادات الإيرانية الإضافية المتوقعة -في حالة تخفيف العقوبات الدولية – سيبقيان تخمة المعروض بالسوق على الأرجح في 2016”.
اقرأ أيضاً:
أسعار النفط تدخل نفقاً مظلماً مع اشتداد المنافسة
العالم يعوم على نصف مليار برميل نفط إضافي