ترقب لما ستؤول إليه الأمور في القطاع الرياضي بعد قرارات ترامب (العربي الجديد/Getty)
أرخت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسومٍ جمركية متباينة على المنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة الأميركية بظلالها على الأسواق العالمية، والعديد من القطاعات في مختلف أنحاء العالم، ما أثار موجة من الترقب وتخوفاً من تفاقم الحرب التجارية، إذ شهدت أسواق الأسهم العالمية اليوم الاثنين، تراجعاً نتيجة قلق المستثمرين من التضخم، لكن بعيداً عن هذه الاضطرابات الاقتصادية الواسعة، كيف يمكن أن تؤثر تداعيات هذه الخطوات على عالم الرياضة؟
في الحقيقة، كانت كلمات المديرة التنفيذية لشركة إينيوس أوتوموتيف للسيارات لين كالدير محبطة للغاية، خاصة أنّ مالكها هو المساهم في نادي مانشستر يونايتد الإنكليزي السير جيم راتكليف، إذ عكست مدى تأثير الرسوم الجمركية على أعمال الشركة واستثماراتها، نظراً إلى أنّ عمليات التصنيع تحصل في فرنسا، ومِن ثمّ فهي تواجه رسوماً تصل إلى 25%، لتقول في هذا الصدد، بحسب ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”: “يحتاج الأمر لتدخلٍ سياسي مباشر وعاجل”.
تأثير العملة
سيكون نادي مانشستر يونايتد من بين أبرز المتأثرين بقرارات ترامب الصادمة، وإن كان الأمر بشكلٍ غير مباشر، إذ إن القروض، التي حصل عليها بالدولار الأميركي، ستصبح أكثر تكلفة بسبب تقوية العُملة، ما قد يؤثر على التزامه بقواعد الربحية والاستدامة. وحول ذلك، قال خبير التمويل الكروي كيران ماغواير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، إنّ “النادي لديه قروض بقيمة 650 مليون دولار من الولايات المتحدة، لأنّه مدرج في بورصة نيويورك، وإذا أثّرت الرسوم الجمركية التي تفرضها إدارة ترامب إيجاباً على الدولار الأميركي وجعلته أقوى، فإن قيمة تلك القروض بالجنيه الإسترليني سترتفع، ما قد يضرّ بحسابات النادي ويؤثر على قواعد الربحية والاستدامة (PSR) التي تحد من الخسائر المسموح بها للأندية.
وذكّر ماغواير بأنّه “في عام 2022، سجّل النادي خسارة قدرها 58 مليون جنيه إسترليني بسبب تحرّكات أسعار الصرف الأجنبية لتلك القروض، لذا فإنّ مجلس الإدارة سيراقب باهتمام ردات فعل السوق على تلك الرسوم الجمركية، لا سيما في ما يتعلق بأسعار الصرف العالمية”.
الرعاية والشركات الرياضية
من المنتظر أن يشهد العام 2026 انطلاق بطولة كأس العالم في ثلاث دول، وهي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وسيُشارك في هذه النسخة لأول مرّة 48 منتخباً، ثم ستقام الألعاب الأولمبية الصيفية والبارالمبية في مدينة لوس أنجليس عام 2028، وهنا تطفو على السطح مشكلة أخرى تتعلق بالرعاة الذين يشكّلون دائماً إضافة كبيرة للرياضة بشكلٍ عام وكرة القدم تحديداً.
وتُمثّل هذه الأحداث فرصة مهمة للشركات الأجنبية لتعزيز حضورها وزيادة مبيعاتها في السوق الأميركية، فعلى سبيل المثال، أفادت “بي بي سي” بأنّ شركة هيونداي الكورية كانت تسعى من خلال شراكتها مع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” إلى الاستفادة من كأس العالم للأندية هذا العام، ثم مونديال 2026، لكن من المحتمل أن تضطر السياسات التجارية العدائية التي يتبعها ترامب هذه الشركات إلى إعادة النظر في خططها بالكامل.
وحول ذلك، علّق الخبير الاستراتيجي في تنظيم الأحداث الرياضية جون زرافا قائلاً: “أعتقد أنّ بعض الرعاة يعيدون تقييم طريقة تنفيذهم تلك الشراكات في الولايات المتحدة في ظلّ الحواجز الجديدة المفروضة، لماذا قد يُنفق الراعي ملايين الجنيهات على تسويق علامته التجارية إذا بات من غير المجدي بيع منتجاته في أميركا؟”.
ومن جانبٍ آخر، هناك أمرٌ حساس للغاية، معني بشركات الملابس الرياضية التي تغذي الأندية والرياضيين بعقود رعاية ضخمة، وهي تعتمد على المواد الخام والتصنيع في القارة الآسيوية التي فرض ترامب عليها أعلى الرسوم، ما أدّى، على سبيل المثال، إلى تراجعٍ حاد في أسهم شركات مثل نايكي وأديداس وبوما، وسط مخاوف من ارتفاع تكاليف الاستيراد، واضطرار الشركات لتحميل التكلفة للمستهلك.
وعلى ضوء ذلك، رأى ماغواير أنّ هذا الشق سيتعرّض لخسارة أقل، موضحاً: “حتى وإن فُرضت على القميص الواحد رسوم بنسبة 40% عند الاستيراد، فلن تتجاوز الزيادة أربعة دولارات تقريباً، المستهلكون معتادون على دفع أسعار مرتفعة للمنتجات الرياضية. الشركات المصنعة وتجار التجزئة قادرون على امتصاص جزء من هذه الزيادات، ولن يؤثر ذلك كثيراً على المبيعات أو على العمولات التي تحصل عليها الأندية من بيع البضائع”.
ترامب بوجه البطولات الكبرى والخدمات الرياضية
تلوح في الأفق مخاوف من تصاعد التوترات السياسية خلال أحداث مثل كأس العالم 2026 وأولمبياد 2028، وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية، هناك شقان؛ الأول متعلّق بانتقاد قادة الاتحاد الأوروبي الشديد للسياسات الأميركية، ومِن ثمّ ليس مستبعداً أن يزداد الشعور المعادي لأوروبا بين بعض الجماهير الأميركية، أما الثاني، فإن قرارات ترامب تثير تساؤلاتٍ جدية حول مدى قدرة أميركا على التعاون في مجالات الأمن مع المكسيك وكندا أثناء المونديال، وضمان حصول المشجعين على التأشيرات بسهولة، وكذلك التنقل عبر الحدود من دون تعقيدات، كما أنّ ارتفاع أسعار المواد المستوردة، كالفولاذ والألومنيوم، أظهر مخاوف تتعلق بتطوير البنية التحتية الخاصة بالبطولة.
واعتبر زرافا، في حديثه لـ”بي بي سي”، أن الدول تحتضن هذه الأحداث لتحسين السمعة، وجذب الاستثمار وتوجيه رسالة انفتاح وضيافة وتعاون، “لكن لا شيء في أميركا ترامب يبدو حقيقياً”. ومن جهة ثانية، قلل مصدر في اللجنة الأولمبية الدولية لهيئة الإذاعة البريطانية من المخاوف، وقال: “ثقة ترامب الكبيرة بالرياضة، ورغبته في أن تكون ألعاب لوس أنجليس 2028 منصة عالمية ناجحة في نهاية فترته الرئاسية الثانية، ستضمنان ألّا تتأثر التحضيرات للأولمبياد بالجغرافيا السياسية”.
ومن جانبٍ آخر، مع فرض الدول الأخرى رسوماً جمركية انتقامية، قد تؤثر الحرب التجارية على أي شخص أو نادٍ أو دوري يشتري معدات رياضية مصنوعة في الولايات المتحدة، وكذلك على المستهلكين الأميركيين الذين يشترون منتجات مصنّعة في الخارج، ولذلك سيبقى السؤال مفتوحاً عن مدى امتداد تأثير هذه القرارات على قطاعات رياضية أخرى قد تبدو غير واضحة في الوقت الراهن.
هل يتأثّر الدوري الإنكليزي الممتاز؟
يصدّر الدوري الإنكليزي الممتاز محتواه إلى الولايات المتحدة، من خلال صفقة بث تلفزيوني بقيمة ملياري جنيه إسترليني مع شبكة “إن بي سي” الأميركية، لكن بما أنّ هذا يُعدّ خدمة وليس منتجاً، فإنّ الرسوم الجمركية لا تنطبق عليه، لكن القلق الأكبر يتمثّل في احتمال أن تتقلص قدرة المستهلكين على شراء التذاكر أو الاشتراكات التلفزيونية إذا تحققت مخاوف الركود الاقتصادي.
