كشف جمال الحولي عن حجم خسائره بعد الهدنة في غزة (العربي الجديد)
عبّر نجم الكرة الفلسطينية السابق ومدرب نادي شباب رفح، جمال الحولي (49 عاماً)، في حوار خصّ به “العربي الجديد” عن حزنه الكبير جرّاء تدمير الاحتلال الإسرائيلي لمنزله في مدينة رفح للمرّة الثانية، بعد 23 عاماً على المرّة الأولى، مؤكداً: “دمّروا وطني”.
كيف تعاملت مع الأيام الأولى لحرب الإبادة الإسرائيليّة؟
منذ اليوم الأول لاندلاع العدوان الإسرائيلي على شعبنا في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، اضطررت لتغيير مهنتي بعد أن كنت مدرّباً لكرة القدم، وأصبحت أسيراً في منزلي؛ تقرّباً من أبنائي، وعائلتي لأن القصف كان شديداً، وحالات الفقد كبيرة كذلك. ولكنني اضطررت -إلى جانب أفراد عائلتي- لترك المنزل منتصف شهر أيام عام 2024، والنزوح إلى مدينة دير البلح، عند أحد الأقارب بعدما اشتدّ قصف الاحتلال على أجزاءٍ كبيرة من المدينة.
ما هي أبرز الأسماء التي فقدتها مِن رفاق المهنة ونجوم الكرة الفلسطينية خلال الحرب؟
مثل كثير من أبناء شعبي فقدت عدداً من زملائي المدرّبين، أو اللاعبين السابقين، أو اللاعبين الذين كنت أدربّهم، وعلى رأس هؤلاء صديقي، وزميلي المدرب هاني المصدّر، الذي واجهته كثيراً في ملاعب كرة القدم عندما كان يلعب مع نادي غزّة الرياضي، وكنت أنا لاعباً لنادي شباب رفح، حيث كنت أتمنى أن ألعب معه في فريقٍ واحد، وإلى جانبه فقدت زميلي اللاعب السابق للمنتخب الوطني، معين المغربي، الذي فزت إلى جانبه ببرونزيّة الدورة العربيّة 1999 مع منتخب فلسطين، وظلّ هذا الإنجاز، أفضل إنجاز في تاريخ الكرة الفلسطينية إلى وقت قريب.
ومن اللاعبين الذين درّبتهم، واستشهدوا في الحرب الأخيرة، لاعب نادي شباب رفح، يوسف رشاد أبو جزر، ولاعب نادي شباب خانيونس خليل شرّاب، وهذه أمثلة بسيطة، لأن الذاكرة لا تستحضرني الآن لاستذكار كل الشهداء؛ فقد فاق عدد شهداء الحركة الرياضية 720 شهيداً، وهذا دون حساب عدد الجماهير التي رحلت، والتي كانت بالنسبة لي وللكثيرين، العنصر الأهم في اللعبة، وفاكهة كل مباراة.
ما هي أبرز خساراتك على المستوى الشخصّي؟
يا للأسف فقدت الكثير من أقاربي خلال حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني، ولكن لأنني كنت لاعباً معروفاً في مدينة رفح، وتُوّجت مع فريقها (شباب رفح) ببطولة كأس فلسطين لاعباً، أربع مرّات، وببطولة الدوري مدرّبا، في مناسبةٍ واحدة، وبصفتي مدرّبا سابقا لعددٍ كبير من الأندية الفلسطينية، ولاعباً ومدرّباً سابقاً لمنتخب فلسطين في فئاته المختلفة (الأول، والأولمبي، والشباب)، فإنّني أدّعي انتمائي وقربي من كل شهيدٍ فلسطيني ارتقى في الحرب الأخيرة؛ وأرى أن خسارته تُعادل خسارة أهم فرد في الأسرة.
أما على المستوى الشخصي، فقد فقدت منزلي المكوّن من أربع طوابق، ويسكن فيه أكثر من 30 فرداً، وهو عدد أفراد أسرتي وأُسر إخواني، وهذا الأمر اكتشفته في الأيام الأولى للهدنة عندما عُدت لتفقده مؤخّراً، وكانت حسرتي على ذلك كبيرة، لأن هذه هي المرّة الثانية التي أفقد فيها منزلي، بعد المرّة الأولى عام 2002. أنا أحد أولئك الذين لا يعتبرون خسارة المنزل خسارة عاديّة، بل أن خسارته تعادل خسارة وطن كامل.
كيف كان إحساسك الأول عندما رأيت منزل مدمّراً؟
البيت عموماً هو نتاج مجهود كبير طوال سنوات، خاصة لنا نحن في فلسطين إذ لا يتمتّع الأفراد برفاهيّة عاليّة من أجل بناء منازلهم بسهولة كبيرة، لذلك فإن خسارته تكون صعبة للغاية. المشهد الأول للمنزل مدمّراً أعادني 23 عاماً إلى الوراء، عندما وجدت منزلي مدمّراً خلال انتفاضة الأقصى التي انطلقت عام 2000، وكأن التاريخ يُعيد نفسه. ولكن، لكي أكون أكثر صراحة، في هذه المرة كان الفقد أكبر بكثير، لأننا نزحنا لأشهر طويلة، وكنا نعتقد بأن شيئاً ما سيعزّينا، ولكن ذلك لم يحدث. عدُت مع عائلتي إلى دير البلح، وبقيت نازحاً، بانتظار أن تتبدلّ الأحوال.
هل كان منزلك يحتوي على مقتنيات رياضيّة؟ وما هي أبرزها؟
بحثت في زيارتي الأخيرة لمنزلي المدمّر عن مقتنياتي الثمينة التي تركتها فيه، وأهمها برونزيّة مسابقة كرة القدم في دورة الألعاب العربية عام 1999، إلى جانب جائزة أفضل مدرب فلسطيني عن موسم 2013/2014، والميداليات التاريخيّة الأربع عن بطولات كأس فلسطين مع نادي شباب رفح، أعوام: 1994، و1995، و2003، و2006، ولكنني لم أجد شيئاً منها. وإلى جانب ذلك فإنني أتحسّر كثيراً على خسارة عددٍ كبير من المنشآت الرياضيّة في قطاع غزّة، حيث لعبت على أرضية مختلف ملاعبها، ودرّبت عدداً من الأندية فيها، وكنت آمل إلى جانب كثيرٍ من الفلسطينيين في أن تكون هذه الملاعب -التي تطوّرت مؤخراً- بداية عهدٍ جديد بالنسبة إلى الكرة الفلسطينية.
ماذا تحضّر لمستقبلك القريب على المستويين الشخصي والمهني؟
أعتقد أن التفكير في المستقبل سابق لأوانه حالياً على الصعيد الشخصي والرياضي، ولكن أكثر ما آمله أن تشتدّ أواصر “الوحدة الوطنيّة” بين شقيّ الوطن، في قطاع غزّة، وفي الضفّة الغربية، وأن ينتهي انقسام الأطراف إلى الأبد، من أجل إعادة إعمار قطاع غزّة، وبنائها على أسس أفضل من جديد. وفيما يخصّ الرياضة، أتمنّى أن نستثمر في نتائج المنتخب الوطني الأخيرة، وفي وصوله إلى المرحلة الحاسمة من تصفيات كأس العالم 2026 من أجل إيصال رسائلنا أكثر، ومن ذلك أن يكون للرياضة دور بارز في المطالبة بإعادة الحياة للمجالين الصحي والتعليمي في قطاع غزّة، لأنهما أساس عودة الحياة إليها.